محمد الباز |
في بدايات العام 1999 كان الدكتور ممدوح البلتاجي وزيرا للسياحة، وقرر أن يستعين بالأجانب وبالتحديد يابانيين للعمل كمرشدين سياحيين، لكن نقابة المرشدين السياحيين التي تعتبر ـ بحكم عمرها ونشأتها ـ نقابة حديثة تصدت لقرار الوزير الذي أراد له أن يمر دون ضجة أو إعلام، لم يغفرها ممدوح البلتاجي للنقابة وخرج عليهم بقرار أكثر خطورة، وهو تصريح الترجمة الذي يمكن أن يحصل عليه أي أجنبي عابر ويعمل من خلاله مرشدا سياحيا. الآن وبعد كل هذه السنوات تحول تصريح الترجمة إلي ما يشبه اللعنة، فهو يمثل حالة من القلق لنحو 13 ألف مرشد سياحي، كانت هناك تبريرات للقرار بأنه يساهم في حل مشاكل أكثر من 7 آلاف مرشد يتحدثون اللغة الإنجليزية، فقد كان مرشدو اللغة الإنجليزية يعانون من قلة العمل، وكانت هناك وسيلة لتوفير عمل لهم من خلال الاستعانة بهم كوسطاء مع من يحملون تصريح الترجمة، فالمرشد الأجنبي الحاصل علي ترخيص الترجمة الذي يتحدث بلغة أخري غير الإنجليزية لا يعرف كثيرا عن الآثار المصرية يستعين بالمرشد الإنجليزي ثم يترجم إلي لغته مرة أخري. لكن الأمر الآن أصبح خطيرا للغاية ليس علي المرشدين فقط، فله أبعاد اقتصادية وأمنية كثيرة، فشروط حصول المواطن الأجنبي - طبقا للإدارة المركزية للنقل السياحي والمرشدين السياحيين - هي طلب من الشركة موقع من المدير المسئول مختوم بخاتم الشركة، وأمر شغل للمرشد المرافق للمجموعة موقع من المرشد ومعتمد من الشركة، وإقرار من الشركة بأن المترجم الأجنبي يجيد لغة المرشد المدونة بالترخيص، ما يفيد سداد الرسوم المقررة بموجب إيصال بنكي بواقع مائة جنيه عن كل يوم عمل توضع بحساب صندوق السياحة (البنك الأهلي المصري حساب رقم 01041449064)، وصورة جواز السفر وصورة شخصية للمترجم، وصورة ترخيص مزاولة المهنة للمرشد المرافق، دمغة بمبلغ 4جنيهات وأربعين قرشا. لا يوجد في هذه الشروط ما يفيد بأن هؤلاء المترجمين يخضعون للكشف الطبي، أو يخضعون للتحريات الأمنية، وهو ما يحدث مع المرشدين المصريين الذين يتجرعون المر حتي يحصلوا علي رخصة العمل كمرشدين، فبعد أن ينجحوا في الاختبارات الصعبة التي يخوضونها، يخضعون لتحريات أمنية تستمر لثلاثة شهور كاملة، وربما يمر عليهم موسم كامل وهم في انتظار قرار الأمن. تحريات الأمن ليست وحدها التي ترهق المرشدين المصريين، فالاختبارات المتعددة التي يمرون بها ليست آدمية، وكما يقول أحد المرشدين في رسالة مطولة: هل تعلم أنه لكي تحصل علي ترخيص مزاولة المهنة المصري عليك أن تستعد للامتحان في التاريخ الفرعوني واليوناني الروماني والتاريخ الحديث والمعاصر والتاريخ الإسلامي، والمعلومات العامة، وامتحان لغة، وذلك كله علي يد أساتذة متخصصين؟! ومن المشهور عن هذه الامتحانات أن المتقدم لها لا يجتازها من أول مرة، وإذا حدث واجتزت هذه الامتحانات فلابد من فتح بطاقة ضريبية. وعندما يخرج المرشد المصري إلي العمل يجد أن المترجم الأجنبي أو «التور ليدر» والذي حصل علي مجرد تصريح ترجمة قد أخذ كل شيء، فهناك وكما تعترف نقابة المرشدين السياحيين تواطؤ من شركات السياحة ضد المرشدين المصريين لصالح المترجمين الأجانب، فهي تفضل التعامل بالطبع مع الأجانب، ربما اقتناعا منها أن هذا يمكن أن يكسبها أهمية أو شهرة، ولذلك تساعد شركات السياحة المترجمين الأجانب علي حساب المصريين. إن "التور ليدر" قصة طويلة جدا، وأعتقد أن هناك جانبا منها قد يهم الدكتور بطرس غالي وزير المالية، فالمترجم الأجنبي يأتي إلي مصر بتأشيرة «سياحة»، لا يحصل علي ترخيص عمل، وبمقتضي هذه التأشيرة يبدأ في البحث عن فرصة عمل، حيث إنه في الغالب يخرج من بلده هروبا من البطالة، يحصل علي تصريح الترجمة ويظل يعمل به، وبعد أن تنتهي تأشيرة السياحة يسافر خارج مصر لمدة 24 ساعة فقط، يعود بعدها إلي مصر بتأشيرة جديدة، وهكذا يظل المترجم الأجنبي في مصر لسنوات طويلة دون أن يدفع أي مليم ضرائب واحد علي عمله، لا هنا في مصر ولا في بلده الأصلي. إن المترجم الأجنبي يحصل من شركات السياحة شهريا علي راتب يتراوح بين 1000 و1200 يورو، هذا بالطبع غير نسبته في المحلات، حيث تتفق الشركة مع محلات معينة يذهب إليها السائح للشراء، وتحصل من هذه المحلات علي نسبة علي المشتروات التي يشتريها السياح، ومع ذلك لا يدفعون أي ضرائب من أي نوع، وليس هذا ضربا من خيال أو تخمين، فقد أرسل عدد من المرشدين السياحيين رسائل إلي عدة دول، فأحدهم أرسل إلي إحدي الدول الإسكندنافية علي أنه مرشد من نفس الدولة وسأل عن تسديده الضرائب التي تصل إلي 35 % من الدخل هناك، وقال لهم إنه يعمل مرشدا سياحيا في مصر، وكان الرد أنه إذا عمل لمدة أقل من 6 شهور فلا توجد عليه ضرائب، أما إذا زادت المدة علي 6 شهور فإنه لابد أن يأتي بما يفيد أنه سدد ضرائب في مصر. والسؤال الذي لابد أن يجيبنا عنه الدكتور بطرس غالي هو: هل يدفع التور ليدر ضرائب علي أعمالهم في مصر، وهل توجد جهة بالأساس تعرف أعدادهم أو أين يقيمون؟ إن هناك علي سبيل المثال عشر شركات سياحية تعمل في نطاق الدول الإسكندنافية، ولو افترضنا أن كل شركة من هذه الشركات لديها 10 تور ليدر، فإن معني ذلك أن هناك 150 تور ليدر يعملون في هذه الشركات فقط، هذا غير المترجمين بالطبع من الدول الأخري. هنا تجدر الإشارة إلي أن عدم رصد المترجمين الذين يحصلون علي تراخيص ترجمة يمكن أن يؤدي إلي أن تتسرب عناصر تمثل خطرا علي الأمن القومي، لقد قامت نقابة المرشدين بتجهيز حالات بالأسماء والعناوين لقادة الرحلات الأجانب الذين يمارسون مهنة الإرشاد السياحي في مصر، لكنها فعلت ذلك من باب اقتصادي فهم لا يدفعون ضرائب، كما أنهم يضيقون علي المرشدين المصريين، لكن هل فعلتها الأجهزة الأمنية ورصدت أماكن تواجد وعمل المترجمين الأجانب؟! هذا سؤال بالطبع يحتاج إلي إجابة. لقد أصبحت القاعدة أن شركات السياحة المصرية تتعامل مع الأجانب ولا تفضل التعامل مع المصريين، وفي إحدي الشركات التي تتعامل مع سياح سويديين، ذهب مرشد سياحي يطلب عملا ورغم إجادته التامة للغة السويدية، إلا أنه عندما تحدث للممتحنة السويدية التي تستعين بها الشركة لإجراء اختبارات اللغة، ردت عليه بأن الشركة لا تستعين بمرشدين مصريين، وكل تعاملها مع مرشدين أجانب، لكن إذا أردت أي وظيفة أخري فيمكن أن تستعين بك الشركة. إن نقابة المرشدين لديها توصيات فيما يخص تصريح الترجمة، منها مثلا أن يتم التشديد في إجراءات استخراجه وفي أضيق الحدود، فلابد أن تقوم الشركة بأخذ توقيع المرشد علي الطلب مع سداد رسم 100 جنيه ولا يزيد علي خمسة أيام ويجب أن يتسلمه المرشد بنفسه من الوزارة وفي اللغات التي لا يتوافر بها مرشد مصري، وأن تقوم لجان تفتيش الوزارة بعملها في البحث عن الأجانب وعمل محاضر لهم خاصة في الأقصر بالتعاون مع الشرطة والنقابة، وإرسال منشور دوري للشركات السياحية بضرورة إصدار أمر شغل للمرشد لحماية حقه حيث يعتبر بمثابة العقد الملزم للطرفين الشركة والمرشد. لكن لا أحد يطبق هذه التوصيات علي الإطلاق، بل يتعامل وزير السياحة زهير جرانة مع الأمر علي أنه أزمة مفتعلة تشعلها النقابة لأغراض انتخابية لا أكثر ولا أقل، ثم إن هناك ما يشبه مراكز قوي في الوزارة من مصلحتها أن تساعد التور ليدر، وذلك لأسباب يمكن أن يأتي تفصيلها فيما بعد. إن الوزارة تتذرع مثلا فيما يخص المرشدين المصريين الذين يتحدثون السويدية بأن عددهم لا يكفي، وهذا كلام علي المستوي النظري صحيح، لكنه عمليا ليس كذلك، حتي لو كان صحيحا، فيمكن للوزارة أن تواجه هذا النقص بأن تجعل امتحان اللغات النادرة مرتين كل عام وليس مرة واحدة، وأن يجعلوا الاختبارات إنسانية أكثر مما هي عليه الآن، والمعني أن وزارة السياحة في يدها حل المشاكل لكنها لا تريد أن تتحرك. القضية بالمناسبة ليست أمنية فقط رغم خطورة ذلك، وليست اقتصادية، ففور أن يعرف الدكتور بطرس غالي الأمر سيتولاها جيدا، لكن المشكلة في الأساس ثقافية وحضارية، فالمترجم الأجنبي في الغالب لا يعرف شيئاً لا عن تاريخ ولا عن آثار مصر، وكل ما يفعله أنه يحصل علي كتيب صغير عن الآثار يردد ما فيه فقط، والمصيبة أن هناك من المرشدين من يرددون معلومات مغلوطة تماما عن الحضارة المصرية. وهناك شهود عيان يؤكدون أن كثيرا من المرشدين الأجانب ـ وليس الإسرائيليين فقط ـ يؤكدون أن اليهود هم الذين بنوا الأهرامات، وأن الدليل علي ذلك أنه ليس معقولا أن ينجب بناة الأهرامات شعبا بكل هذا التخلف. لست رومانسيا إذا طالبت بأن نحافظ علي تاريخنا وحضارتنا، ثم إن الوضع كله غير قانوني، إن القانون رقم 121 لسنة 1983 يقصر عمل المرشد السياحي علي المصريين فقط، فكيف للأجانب يأتون ويشرحون تاريخ بلادنا بعد أن يكونوا أجلسوا أولادنا في بيوتهم بلا عمل.. القضية تستحق التحرك، وإن لم يتحرك لها زهير جرانة وزير السياحة، فليس أقل من أن يتحرك لها رئيس الوزراء بنفسه، فنحن لا نتحدث عن مصير أكثر من 13 ألف مرشد سياحي يمكن أن يجدوا أنفسهم بلا عمل إذا استمر الوضع علي ما هو عليه، ولكننا نتحدث عن أمن وطن واستقراره وحقوقه التي تهدر أمامنا دون أن يتحرك لأحد منا ساكن |
بحـث
المواضيع الأخيرة
الـ«تور ليدر».. كلمة السر في تشريد 13 ألف مرشد سياحي
bisso- مدير المنتدى
- عدد الرسائل : 414
العمر : 54
نقاط : 6613
تاريخ التسجيل : 03/02/2008
- مساهمة رقم 1
الثلاثاء أبريل 12, 2011 2:13 am من طرف bisso
» كان لي قلب
الثلاثاء أبريل 12, 2011 2:11 am من طرف bisso
» ما قد كان.. كان
الثلاثاء أبريل 12, 2011 2:10 am من طرف bisso
» طاوعني قلبي.. في النسيان
الثلاثاء أبريل 12, 2011 2:08 am من طرف bisso
» على ترابك مات قلبي .. وانتهى
الثلاثاء أبريل 12, 2011 2:04 am من طرف bisso
» بالرغم منا ... قد نضيع
الثلاثاء أبريل 12, 2011 2:00 am من طرف bisso
» ليتني ........
الثلاثاء أبريل 12, 2011 1:59 am من طرف bisso
» قلب شاعر
الثلاثاء أبريل 12, 2011 1:57 am من طرف bisso
» دعيني.. أحبك
الثلاثاء أبريل 12, 2011 1:55 am من طرف bisso
» في هذا الزمن المجنون
الثلاثاء أبريل 12, 2011 1:52 am من طرف bisso
» هذا عتاب الحب للأحباب
الثلاثاء أبريل 12, 2011 1:51 am من طرف bisso
» هذي بلاد .. لم تعد كبلادي
الثلاثاء أبريل 12, 2011 1:45 am من طرف bisso
» أحزان ليلة ممطرة
الثلاثاء أبريل 12, 2011 1:40 am من طرف bisso
» وأنت الحقيقة لو تعلمين
الثلاثاء أبريل 12, 2011 1:36 am من طرف bisso
» تحت أقدام الزمان
الثلاثاء أبريل 12, 2011 1:35 am من طرف bisso
» بائع الأحلام
الثلاثاء أبريل 12, 2011 1:34 am من طرف bisso
» من قال أن النفط أغلى من دمي
الثلاثاء أبريل 12, 2011 1:30 am من طرف bisso
» في عينيكي عنواني
الثلاثاء أبريل 12, 2011 1:24 am من طرف bisso
» عيناك أرض لا تخون
الثلاثاء أبريل 12, 2011 1:20 am من طرف bisso
» ويضيع العمر
الثلاثاء أبريل 12, 2011 1:15 am من طرف bisso
» ماذا تبقى من أرض الأنبياء
الثلاثاء أبريل 12, 2011 1:12 am من طرف bisso
» أحلام حائره
الثلاثاء أبريل 12, 2011 1:07 am من طرف bisso
» عتاب من القبر
الثلاثاء أبريل 12, 2011 1:06 am من طرف bisso
» بقايا أمنيه
الثلاثاء أبريل 12, 2011 1:05 am من طرف bisso
» قد نلتقي
الثلاثاء أبريل 12, 2011 1:03 am من طرف bisso